الخميس، 12 أغسطس 2010

بعض كلام المحققين في الجواب على من نفى الرؤية - للكاتب الواثق

بسم الله
بعض كلام المحققين في الجواب على من نفى الرؤية ــــــــــــ من لديه فائدة أو نقل يضعه






خصصت هذه الصفحة لنقل ( بعض ) كلام المحققين في جوابهم على من نفى الرؤية . .


وما سننقله ماهو إلا مقتطفات بسيطة جدا , . . ومن لديه كلام يفيد المسألة فليضعها لتكتمل الفائدة . .




قال أبو العباس في المنهاج ( 2 / 317 ) :

- وأما احتجاجه واحتجاج النفاة أيضا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار فالآية حجة عليهم لا لهم لأن الإدراك إما أن يراد به مطلق الرؤية أو الرؤية أو الرؤية المقيدة بالإحاطة والأول باطل لأنه ليس كل من رأى شيئا يقال إنه أدركه كما لا يقال أحاط به كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال ألست ترى السماء قال بلى قال أكلها ترى قال لا

- ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل أو البستان أو المدينة لا يقال إنه أدركها وإنما يقال أدركها إذا أحاط بها رؤية ونحن في هذا المقام ليس علينا بيان ذلك وإنما ذكرنا هذا بيانا لسند المنع بل المستدل بالآية عليه أن يبين أن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية وأن كل من رأى شيئا يقال في لغتهم إنه أدركه وهذا لا سبيل إليه كيف وبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص أو اشتراك لفظي فقد تقع رؤية بلا إدراك وقد يقع إدراك بلا رؤية فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهد كالأعمى الذي طلب رجلا هاربا منه فأدركه ولم يره وقد قال تعالى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فنفى موسى الإدراك مع إثبات الترائي فعلم أنه قد يكون رؤية بلا أدراك والإدراك هنا هو إدراك القدرة أي ملحوقون محاط بنا وإذا انتفى هذا الإدراك فقد تنتفى إحاطة البصر

- أيضا ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكره هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح لأن النفى المحض لا يكون مدحا إن لم يتضمن أمرا ثبوتيا ولأن المعدوم أيضا لا يرى والمعدوم لا يمدح فعلم أن مجرد نفى الرؤية لا مدح فيه

- وهذا أصل مستمر وهو أن العدم المحض الذي لا يتضمن ثبوتا لا مدح فيه ولا كمال فلا يمدح الرب نفسه به بل ولا يصف نفسه به وإنما يصفها بالنفي المتضمن معنى ثبوت كقوله لا تأخذه سنة ولا نوم وقوله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقوله ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقوله ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم وقوله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض سورة وقوله وما مسنا من لغوب ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصف الرب تعالى بها نفسه وأنها تتضمن اتصافه بصفات الكمال الثبوتية مثل كمال حياته وقيوميته وملكه وقدرته وعلمه وهدايته وانفراده بالربوبية والإلهية ونحو ذلك وكل ما يوصف به العدم المحض فلا يكون إلا عدما محضا ومعلوم أن العدم المحض يقال فيه إنه لايرى فعلم أن نفى الرؤية عدم محض ولا يقال في العدم المحض لا يدرك وإنما يقال هذا فيما لا يدرك لعظمته لا لعدمه


- وإذا كان المنفى هو الإدراك فهو سبحانه وتعالى لا يحاط به رؤية كما لا يحاط به علما ولا يلزم من نفى إحاطة العلم والرؤية نفى العلم والرؤية بل يكون ذلك دليلا على أنه يرى و يحاط به كما يعلم ولا يحاط به فإن تخصيص الإحاطة بالنفي يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفى وهذا الجواب قول أكثر العلماء من السلف وغيرهم وقد روى معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره وقد روى في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحتاج الآية إلى تخصيص ولا خروج عن ظاهر الآية فلا نحتاج أن نقول لا نراه في الدنيا أو نقول لا تدركه الأبصار بل المبصرون أو لا تدركه كلها بل بعضها ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف

- ثم نحن في هذا المقام يكفينا أن نقول الآية تحتمل ذلك فلا يكون فيها دلالة على نفي الرؤية فبطل استدلال من استدل بها على الرؤية وإذا أردنا أن نثبت دلالة الآية على الرؤية مع نفيها للإدراك الذي هو الإحاطة أقمنا الدلالة على أن الإدراك في اللغة ليس هو مرادفا للرؤية بل هو أخص منها وأثبتنا ذلك باللغة وأقوال المفسرين من السلف وبأدلة أخرى سمعية وعقلية. أهـ




وقال في ( 2 / 322 ) :


- والمتبعون للسلف لا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين أن ما أثبت بها فهو ثابت وما نفى بها فهو منفى لأن المتأخرين قد صار لفظ الجهة في اصطلاحهم فيه إجمال وإبهام كغيرها من ألفاظهم الإصطلاحية فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان

- وذلك أن لفظ الجهة قد يراد به ما هو موجود وقد يراد به ما هو معدوم ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقا والله تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات فإنه بائن من المخلوقات وإن أريد بالجهة أمر عدمى وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله وحده
فإذا قيل إنه في جهة إن كان معنى الكلام أنه هناك فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع عال عليه

- ونفاة لفظ الجهة يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة وأنه كان قبل الجهة وأنه من قال إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم أو أنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها

- وهذه الأقوال ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمى جهة أو لم يسم وهذا حق فإنه سبحانه منزه عن أن تحيط به المخلوقات أو أن يكون مفتقرا إلى شيء منها العرش أو غيره ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما جاء الحديث يكون العرش فوقه ويكون محصورا بين طبقتين من العالم فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة كما قد بسط في موضعه أهـ




وقال ( 2 / 324 ) :

ومن نفى الجهة وأراد بالنفي كون المخلوقات محيطة به أو كونه مفتقرا إليها فهذا حق لكن عامتهم لا يقتصرون على هذا بل ينفون أن يكون فوق العرش رب العالمين أو أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم عرج به إلى الله أو أن يصعد إليه شيء وينزل منه شيء أو أن يكون مباينا للعالم بل تارة يجعلونه لا مباينا ولا محايثا فيصفونه بصفة المعدوم والممتنع وتارة يجعلونه حالا في كل موجود أو يجعلونه وجود كل موجود ونحو ذلك مما يقوله أهل التعطيل وأهل الحلول . أهــ



وقال رحمه الله ( 2 / 329 ) :

ونحن نسلك طريقين من البيان

أحدهما :

نبين فيه أن هؤلاء الذين رد عليهم من مثبتى الرؤية كالأشعري وغيره أقرب إلى الصواب من قول النفاة


الثاني :

نبين في الحق بيانا مطلقا لا نذب فيه عن أحد



الطريق الأول :

أن نبين أن هذه الطائفة وغيرها من الطوائف المثبتة للرؤية أقل خطأ وأكثر صوابا من نفاة الرؤية ونقول لهؤلاء النفاة للرؤية أنتم أكثرتم التشنيع على الأشعرية ومن وافقهم من أتباع الأئمة في مسألة الرؤية ونحن نبين أنهم أقرب إلى الحق منكم نقلا
وعقلا وأن قولهم إذا كان فيه خطأ فالخطأ الذي في قولكم أعظم وأفحش عقلا ونقلا


فإذا قلتم :

هؤلاء إذا أثبتوا مرئيا لا في جهة كان هذا مكابرة للعقل


قيل لكم :

لا يخلو إما أن تحكموا في هذا الباب العقل وإما أن لا تحكموه فإن لم تحكموه بطل قولكم وإن حكمتموه فقول من أثبت موجودا قائما بنفسه يرى أقرب إلى العقل من قول من أثبت موجودا قائما بنفسه لا يرى ولا يمكن أن يرى وذلك لأن الرؤية لا يجوز أن يشترط في ثبوتها أمور عدمية بل لا يشترط في ثبوتها إلا أمور وجودية
ونحن لا ندعى هنا أن كل موجود يرى كما ادعى ذلك من ادعاه فقامت عليه الشناعات فإن ابن كلاب ومن اتبعه من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم قالوا كل قائم بنفسه يرى وهكذا قالت الكرامية وغيرهم فيما أظن وهذه الطريقة التي سلكها ابن الزاغوني من أصحاب أحمد وأما الأشعري فادعى أن كل موجود يجوز أن يرى ووافقه على ذلك طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وغيره ثم طرد قياسه فقال كل موجود يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس ووافقه على ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والرازي وكذلك القاضي أبو يعلى وغيرهم وخالفهم غيرهم فقالوا لا نثبت في ذلك الشم والذوق واللمس ونفوا جواز تعلق هذه بالبارئ والأولون جوزوا تعلق الخمس بالبارئ وآخرون من أهل الحديث وغيرهم أثبتوا ما جاء به السمع من اللمس دون الشم والذوق وكذلك المعتزلة منهم من أثبت جنس الإدراك كالبصريين ومنهم من نفاه كالبغداديين والمقصود هنا بأن المثبتة ولو أخطأوا في بعض كلامهم فهم أقرب إلى الحق نقلا وعقلا من نفاة الرؤية

- نقول من الأشياء ما يرى ومنها ما لا يرى والفارق بينهما لا يجوز أن يكون أمورا عدمية لأن الرؤية أمر وجودي والمرئى لا يكون إلا موجودا فليست عدمية لا تتعلق بالمعدوم ولا يكون الشرط فيه إلا أمرا وجوديا لا يكون عدميا وكل ما لا يشترط فيه إلا الوجود دون العدم كان بالوجود الأكمل أولى منه بالأنقص فكل ما كان وجوده أكمل كان أحق بأن يرى وكل ما لم يمكن أن يرى فهو أضعف وجودا مما يمكن أن يرى فالأجسام الغليظة أحق بالرؤية من الهواء والضياء أحق بالرؤية من الظلام لأن النور أولى بالوجود والظلمة أولى بالعدم والموجود الواجب الوجود أكمل الموجودات وجودا وأبعد الأشياء عن العدم فهو أحق بأن يرى وإنما لم نره لعجز أبصارنا عن رؤيته لا لأجل امتناع رؤيته كما أن شعاع الشمس أحق بأن يرى من جميع الأشياء

ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وسلم رؤية الله به فقال ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر شبه الرؤية بالرؤية وإن لم يكن المرئى مثل المرئى ومع هذا فإذا حدق البصر في الشعاع ضعف عن رؤيته لا لامتناع في ذات المرئى بل لعجز الرائى فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله تعالى الآدميين وقواهم حتى أطاقوا رؤيته ولهذا لما تجلى الله عز وجل للجبل خر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين سورة الأعراف 143 قيل أول المؤمنين بأنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده فهذا للعجز الموجود في المخلوق لا لامتناع في ذات المرئى بل كان المانع من ذاته لم يكن إلا لنقص وجوده حتى ينتهى الأمر إلى المعدوم الذي لا يتصور أن يرى خارج الرائي
ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته إلا من أيده الله كما أيد نبينا صلى الله عليه وسلم قال تعالى وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون سورة الأنعام 8 9 قال غير واحد من السلف هم لا يطيقون أن يروا الملك في صورته فلو أنزلنا إليهم ملكا لجعلناه في صورة بشر وحينئذ كان يشتبه عليهم هل هو ملك أو بشر فما كانوا ينتفعون بإرسال الملك إليهم فأرسلنا إليهم بشرا من جنسهم يمكنهم رؤيته والتلقي عنه وكان هذا من تمام الإحسان إلى الخلق والرحمة ولهذا قال تعالى وما صاحبكم بمجنون سورة التكوير 22ىولا مماسة ولا يتميز منه جانب عن جانب كان هذا مكابرة


فيقال لكم :

أنتم يانفاة الرؤية تقولون ومن وافقكم من المثبتين للرؤية إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له


فإذا قيل لكم :

هذا خلاف المعلوم بضرورة العقل فإن العقل لا يثبت شيئين موجودين إلا أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو داخلا فيه كما يثبت الأعيان المتباينة والأعراض القائمة بها وأما إثبات موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يكون داخل العالم ولا خارجه فهذا مما يعلم العقل استحالته وبطلانه بالضرورة


قلتم :

هذا النفى حكم الوهم لا حكم العقل وجعلتم في الفطرة حاكمين أحدهما الوهم والآخر العقل مع أن المعنى الذي سميتموه حاكمين أحدهما الوهم والآخر العقل مع أن المعنى الذي سميتموه الوهم قلتم هو القوة التي تدرك معاني جزئية غير محسوسة في الأعيان المحسوسة كالعداوة والصداقة كما تدرك الشاة معنى في الذئب ومعنى في الكبش فتميل إلى هذا وتنفر عن هذا وإذا كان الوهم إنما
وقال ما ضل صاحبكم وما غوى سورة النجم 2 وقال لقد جاءكم رسول من أنفسكم سورة التوبة 128 وقال وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم سورة إبراهيم 4 ونحو ذلك من الآيات


فإن قلتم :

هؤلاء يقولون إنه يرى لا في جهة وهذه مكابرة



فيقال :

هذا قالوه بناء على الأصل الذي اتفقتم أنتم وهم عليه وهو أنه ليس في جهة ثم إذا كان الكلام مع الأشعري وأئمة أصحابه ومن وافقهم من أصحاب الحديث أصحاب أحمد وغيره كالتميميين وابن عقيل وغيرهم



فيقال :

هؤلاء يقولون إنه فوق العالم بذاته وإنه ليس بجسم ولا متحيز


فإن قلتم :

هذا القول مكابرة للعقل لأنه إذا كان فوق العالم فلا بد أن يتم منه جانب عن جانب وإذا تميز منه جانب عن جانب كان جسما فإذا أثبتوا موجودا قائما بنفسه فوق العرش لا يوصف بمحاذاة يدرك أمورا معينة فهذه القضايا التي نتكلم فيها قضايا كلية عامة والقضايا الكلية العامة هي للعقل لا للحس ولا للوهم الذي يتبع الحس فإن الحس لا يدرك إلا أمورا معينة وكذلك الوهم عندكم وقد بسط الرد على هؤلاء في غير هذا الموضع لكن المقصود هنا بيان أن قول أولئك أقرب من قولهم


فيقال :

إذا عرضنا على العقل وجود موجودا لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له ووجود موجود مباين للعالم فوقه وهو ليس بجسم كان تصديق العقل بالثاني أقوى من تصديقه بالأول وهذا موجود في فطرة كل أحد فقبول الثاني أقرب إلى الفطرة ونفورها عن الأول أعظم فإن وجب تصديقكم في ذلك القول الذي هو عن الفطرة أبعد كان تصديق هؤلاء في قولهم أولى وحينئذ فليس لكم أن تحتجوا على بطلان قولهم بحجة إلا وهي على بطلان قولكم أدل


فإذا قلتم :

وجود موجود فوق العالم ليس بجسم لا يعقل


قيل لكم :

كما أن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه لا يعقل



فإذا قلتم :

نفى هذا من حكم الوهم


قيل لكم :


إن كان هذا النفى من حكم الوهم وهو غير مقبول فذلك النفى من حكم الوهم وهو غير مقبول بطريق الأولى
فإذا قلتم
حكم الوهم الباطل أن يحكم في أمور غير محسوسة حكمه في أمور محسوسه



قيل لكم أجوبة :


أحدها :


أن هذا يبطل حجتكم على بطلان قول هؤلاء لأن قولكم إنه يمتنع وجود موجود فوق العالم ليس بجسم ليس أقوى من قول القائل يمتنع وجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ويمتنع وجود موجودين لا متباينين ولا متحايثين ويمتنع وجود موجود ليس داخل العالم ولا خارجا عنه فإن كنتم لا تقبلون هذا الأقوى لزعمكم أنه من حكم الوهم الباطل لزمكم أن لا تقبلوا ذلك الذي هو أضعف منه بطريق الأولى فإن كليهما على قولكم من حكم الوهم الباطل وفساد قولكم أبين في الفطرة من فساد قول منازعيكم فإن كان قولهم مردودا
فقولكم أولى بالرد وإن كان قولكم مقبولا فقولهم أولى بالقبول

الجواب الثاني :

أن يقال أنتم لم تثبتوا وجود أمور لا يمكن الإحساس بها ابتداء حتى يصح هذا الكلام بل إنما أثبتم ما ادعيتم أنه لا يمكن الإحساس به ابتداء بإبطال هذا الحكم الفطري الذي يحيل وجود ما لا يمكن الإحساس به بحال فإن كان هذا الحكم لا يبطل حتى يثبت الأمور التي ليست بمحسوسة لزم الدور فلا يبطل هذا الحكم حتى يثبت ما لا يمكن الإحساس به ولا يثبت ذلك حتى يبطل هذا الحكم فلا يثبت ذلك


و يقال لكم :

إن جاز وجود أمور لا يمكن الإحساس بها فوجود ما يمكن الإحساس به أولى وإن لم يمكن بطل قولكم فمن أثبت موجودا فوق العالم ليس بجسم يمكن الإحساس به كان قوله أقرب إلى العقل ممن أثبت موجودا لا يمكن الإحساس به وليس بداخل العالم ولا خارجه


- ففي الجملة أنه ما من حجة يحتجون بها على بطلان قول منازعيهم إلا ودلالتها على بطلان قولهم أشد ولكنهم يتناقضون والذين وافقوهم على بعض غلطهم صاروا يسلمون لهم تلك المقدمة الباطلة النافية وهو إثبات موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يكون مباينا لغيره ولا محايثا له ولا داخل العالم ولا خارجه ويطلبون طردها وطردها يستلزم الباطل المحض


- فوجه المناظرة أن تلك المقدمة لا تسلم لكن يقال إن كانت باطلة بطل أصل قول النفاة وإن كانت صحيحة فهي أدل على إمكان قول أهل الإثبات فإن كان إثبات موجود ليس بجسم ولا هو داخل العالم ولا خارجه ممكنا فإثبات موجود فوق العالم وليس بجسم أولى بالإمكان وإن لم يكن ذلك ممكنا بطل أصل قول النفاة وثبت أن الله تعالى إما داخل العالم وإما خارجه فيكون قولهم بإثبات موجود ليس بداخل العالم ولا خارجه أبعد عن الحق على التقديرين وهو المطلوب


ثم يقال :


رؤية ما ليس بجسم ولا في جهة إما أن يجوزه العقل وإما أن يمنعه فإن جوزه فلا كلام وإن منعه كان منع العقل لإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه بل هو حي بلا حياة عليم بلا علم قدير بلا قدرة أشد وأشد


فإن قلتم :


هذا المنع من حكم الوهم


قيل لكم :


والمنع من رؤية مرئى ليس في جهة من حكم الوهم وهذا هو الجواب الثالث

وبيان ذلك أن يقال حكم الوهم الباطل عندكم أن يحكم في أمور غير محسوسة بما يحكم به في الأمور المحسوسة

فيقال :


الباري تعالى إما أن تكون رؤيته ممكنة وأما أن لا تكون فإن كانت ممكنة بطل قولكم بإثبات موجود غير محسوس ولم يبق هنا وهم باطل يحكم في غير المحسوس بحكم باطل فإنكم لرؤية الباري أشد منعا من رؤية الملائكة والجن وغير ذلك فإذا جوزتم رؤيته فرؤية الملائكة والجن أولى وإن قلتم بل رؤيته غير ممكنة قيل فهو حينئذ غير محسوس فلا يقبل فيه حكم الوهم والحكم بأن كل مرئى لا بد أن يكون في جهة من حكم الوهم
وأما إذا قدرنا موجودا غير محسوس يرى لا في جهة رؤية غير الرؤية المتعلقة بذوات الجهة كان إبطال هذا مثل إبطال موجود لا داخل العالم ولا خارجه وإلا فإذا ثبت وجود هذا الموجود كانت الرؤية المتعلقة به مناسبة له ولم تكن كالرؤية المعهودة لللأجسام فهذه الطريق ونحوها من المناظرة العقلية إذا سلك يتبين به أن كل من كان إلى السنة أقرب كان قوله إلى العقل أقرب وهو يوجب نصر الأقربين إلى السنة بالعقل لكن لما كان بعض الأقربين إلى السنة سلموا للأبعدين عنها مقدمات بينهم وهي في نفس الأمر باطلة مخالفة للشرع والعقل لم يمكن أن يكون قولهم مطابقا للأمر في نفسه ولا يمكن نصره لا بشرع صحيح ولا بعقل صريح لمن غرضه معرفة الحق في نفسه لا بيان رجحان بعض الأقوال على بعض
- وأما إذا كان المقصود بيان رجحان بعض الأقوال فهذا ممكن في نفسه وهذا هو الذي نسلكه في كثير مما عاب به الرافضة كثير من الطوائف المنتسبين إلى السنة في إثبات خلافة الخلفاء الثلاثة فإنهم عابوا كثيرا منهم بأقوال هي معيبة مذمومة والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق وألا نقول عليه إلا بعلم وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلا عن الرافضي قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق
ولهذا جعل هذا الكتاب منهاج أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيع والقدرية فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة ردوا ما تقوله المعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع بكلام فيه أيضا بدعة وباطل وهذه طريقة يستجيزها كثير من أهل الكلام ويرون أنه يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد لكن أئمة السنة والسلف على خلاف هذا وهم يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة ويأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق لا يخرج عن السنة في حال من الأحوال وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به ورسوله ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه لكن بينا أن ما عابوا به مخالفيهم من الأقوال ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك

وأما الطريق الثاني :


فيقال لهذا المنكر للرؤية المستدل على نفيها بانتفاء لازمها وهو الجهة قولك ليس في جهة وكل ما ليس في جهة لا يرى فهو لا يرى وهكذا جميع نفاة الحق ينفونه لانتفاء لازمه في ظنهم فيقولون لو رئى للزم كذا واللازم منتف فينتفى الملزوم
- والجواب العام لمثل هذه الحجج الفاسدة بمنع إحدى المقدمتين إما معينة وإما غير معينة فإنه لا بد أن تكون إحداهما باطلة أو كلتاهما باطلة وكثيرا ما يكون اللفظ فيهما مجملا يصح باعتبار ويفسد باعتبار وقد جعلوا الدليل هو ذلك اللفظ المجمل ويسميه المنطقيون الحد الأوسط فيصح في مقدمة بمعنى ويصح في الأخرى بمعنى آخر ولكن اللفظ مجمل فيظن الظان لما في اللفظ من الإجمال وفي المعنى من الاشتباه أن المعنى المذكور في هذه المقدمة هو المعنى المذكور في المقدمة الأخرى ولا يكون الأمر كذلك



- مثال ذلك في مسألة الرؤية أن يقال له أتريد بالجهة أمرا وجوديا أو أمرا عدميا فإذا أردت به أمرا وجوديا كان التقدير كل ما ليس في شيء موجود لا يرى وهذه المقدمة ممنوعة ولا دليل على أثباتها بل هي باطلة فإن سطح العالم يمكن أن يرى وليس العالم في عالم آخر وإن أردت الجهة أمرا عدميا كانت المقدمة الثانية ممنوعة فلا نسلم أنه ليس بجهة بهذا التفسير


- وهذا مما خاطبت به غير واحد من الشيعة والمعتزلة فنفعه الله به وانكشف بسبب هذا التفصيل ما وقع في هذا المقام من الإشتباه والتعطيل وكانوا يعتقدون أن ما معهم من العقليات النافية للرؤية قطعية لا يقبل في نقيضها نص الرسل فلما تبين لهم أنها شبهات مبنية على ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة تبين أن الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق المقبول ولكن ليس هذا المكان موضع بسط هذا فإن هذا النافي إنما أشار إلى قولهم إشارة . أهــ


اضافة :

# هل [لن] للتأبيد ؟

http://www.alsrdaab.com/vb/showthread.php?t=10843


- .وأما دعواهم-أي المعتزلة- إن قوله (( لن تراني )) يدل على النفي المؤبد للرؤية في الاخرة ، ففاسد ، فإنها لو قيدت بالتأبيد لم تدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا أطلقت ؟ يدل على ذلك قوله تعالى (( ولن يتمنوه أبدا )) ( البقرة : 95 ) مع أنهم يقولون في الاخرة (( يا مالك ليقض علينا ربك )) ( الزخرف : 77 ) ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق ، لما جاز تحديد الفعل بعدها ، وقد جاء ذلك ، قال تعالى (( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي )) ( يوسف : 80 ) فثبت أن (( لن )) لا تقتضي النفي المؤبد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق