بسم الله
النقل التالي موجود في:
وفيك بارك الله أختي أم همام
النقل التالي موجود في:
مجموع الفتاوى/المجلد السابع/فصل: حديث سؤال النبي عن الإسلام والإيمان والإحسان
وفيك بارك الله أختي أم همام
(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6]،
فالإنسان يستبين الأشياء . وهم يقولون: قد بان الشيء، وبينته، وتبين الشيء وتبينته، واستبان الشيء واستبنته، كل هذا يستعمل لازمًا ومتعديًا، ومنه قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، هو هنا متعد، ومنه قوله: {بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]، أي: متبينة. فهنا هو لازم. والبيان كالكلام، يكون مصدر بان الشيء بيانا، ويكون اسم مصدر لبين، كالكلام والسلام لسلم وبين فيكون البيان بمعنى تبين الشيء، ويكون بمعنى بينت الشيء، أي: أوضحته. وهذا هو الغالب عليه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا).
والمقصود ببيان الكلام حصول البيان لقلب المستمع، حتى يتبين له الشيء ويستبين؛ كما قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 138]. ومع هذا، فالذي لا يستبين له كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44]، وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] ، وقال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، وقال: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} الآية [الأنعام: 57]، وقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: 17]، وقال: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} [النور: 34]، وقال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61].
فأما الأشياء المعلومة التي ليس في زيادة وصفها إلا كثرة كلام وتفيهق وتشدق وتكبر، والإفصاح بذكر الأشياء التي يستقبح ذكرها، فهذا مما ينهي عنه
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:14]،
هنا أصل آخر، وهو أنه قد جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان، فقال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:14]، وقال تعالى في قصة قوم لوط: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35، 36] وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين، وليس كذلك، بل هذه الآية توافق الآية الأولى؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنًا، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين.
وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا؛ بل كانت من الغابرين، الباقين في العذاب، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، وفي الباطن مع قومها علي دينهم، خائنة لزوجها تدل قومها على أضيافه، كما قال الله تعالى فيها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10]. وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش فإنه ما بغت امرأة نبي قط؛ إذ نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، ويجوز في شريعتنا نكاح بعض الأنواع وهن الكتابيات، وأما نكاح البغي فهو دِيَاثَة، وقد صان الله النبي عن أن يكون دَيُّوثًا؛ ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب.
والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله:{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:35]، وكانت من أهل البيت المسلمين وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36]، وبهذا تظهر حكمة القرآن؛ حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود.وأيضًا فقد قال تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35]. ففرق بين هذا وهذا. فهذه ثلاثة مواضع في القرآن.
وأيضًا، فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا، ولم يعط رجلا. فقلت: يا رسول الله أعطيت فلانًا وتركت فلانًا، وهو مؤمن فقال: (أو مسلم؟) قال: ثم غلبني ما أجد، فقلت: يا رسول الله أعطيت فلانًا وفلانًا، وتركت فلانًا وهو مؤمن.فقال (أو مسلم؟) مرتين أو ثلاثًا،وذكر في تمام الحديث أنه يعطي رجالا،ويدع من هو أحب إليه منهم؛خشية أن يكبهم الله في النار على مناخرهم.
قال الزهري: فكانوا يرون أن الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، فأجاب سعدًا بجوابين، أحدهما: أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلمًا لا مؤمنًا. الثاني: إن كان مؤمنًا، وهو أفضل من أولئك فأنا قد أعطى من هو أضعف إيمانًا؛ لئلا يحمله الحرمان على الردة، فيكبه الله في النار على وجهه. وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم
قال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفارًا في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول. وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان؛ فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنًا. ويقولون: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)؛ أنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام. ودوروا للإسلام دارة، ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر.
ودليل ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:14: 17].
فقد قال تعالى:{لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وهذا الحرف ـ أي [لما]، ينفي به ما قرب وجوده، وانتظر وجوده، ولم يوجد بعد. فيقول لمن ينتظر غائبًا أي: [لما]، ويقول: قد جاء لما يجيء بعد. فلما قالوا: {آمنا} قيل: {لَّمْ تُؤْمِنُوا} بعد، بل الإيمان مرجو منتظر منهم. ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم} أي: لا ينقصكم من أعمالكم المثبتة {شّيًئْا}، أي: في هذه الحال؛ فإنه لو أرادوا طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم؛ إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله وهم كانوا مقرين به. فإذا قيل لهم: المطاع يثاب، والمراد به المؤمن الذي يعرف أنه مؤمن، لم يكن فيه فائدة جديدة.
و أيضًا، فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم لما يدخل في قلوبهم وقيل لهم: {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}فلو لم يكونوا في هذه الحال مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب، فبين ذلك أنه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، وهذا نعت محقق الإيمان، لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان،
فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب،هو هذا الإيمان الذي نفى عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار،بل قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفى هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار. وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع،ويعلم أن في المسلمين قسمًا ليس هو منافقًا محضًا في الدرك الأسفل من النار،وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}ولامن الذين قيل فيهم{أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} فلاهم منافقون،ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقًا، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب.بل له طاعات ومعاص وحسنات وسيئات. ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار، وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار. وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملِّي، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه. والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين. الناس في الفاسق من أهل الملة مثل الزاني والسارق والشارب ونحوهم [ثلاثة أقسام]: طرفين ووسط. [أحد الطرفين]: أنه ليس بمؤمن بوجه من الوجوه ولا يدخل في عموم الأحكام المتعلقة باسم الإيمان ثم من هؤلاء من يقول: هو كافر: كاليهودي والنصراني. وهو قول الخوارج ومنهم من يقول: ننزله منزلة بين المنزلتين؛ وهي منزلة الفاسق وليس هو بمؤمن ولا كافر وهم المعتزلة وهؤلاء يقولون: إن أهل الكبائر يخلدون في النار وإن أحدا منهم لا يخرج منها؛ وهذا من [مقالات أهل البدع] التي دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان على خلافها قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} - إلى قوله - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:9، 10] فسماهم مؤمنين وجعلهم إخوة مع الاقتتال وبغي بعضهم على بعض وقال الله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء:92] ولو أعتق مذنبا أجزأ عتقه بإجماع العلماء. ولهذا يقول علماء السلف في المقدمات الاعتقادية: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل
فلابد لمحب الله من متابعة الرسول، والمجاهدة في سبيل الله، بل هذا لازم لكل مؤمن. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]، فهذا حب المؤمن لله.
وأما المحبة الشركية، فليس فيها متابعة للرسول، ولا بغض لعدوه ومجاهدة له، كما يوجد في اليهود والنصارى والمشركين يدعون محبة الله، ولا يتابعون الرسول، ولا يجاهدون عدوه.
وكذلك أهل البدع المدعون للمحبة لهم، من الإعراض عن اتباع الرسول بحسب بدعتهم، وهذا من حبهم لغير الله، وتجدهم من أبعد الناس عن موالاة أولياء الرسول، ومعاداة أعدائه، والجهاد في سبيله لما فيهم من البدع التي هي شعبة من الشرك.
والذين ادعوا المحبة من الصوفية وكان قولهم في القدر من جنس قول الجهمية المجبرة هم في آخر الأمر، لا يشهدون للرب محبوبًا إلا ما وقع وقدر، وكل ما وقع من كفر وفسوق وعصيان فهو محبوبه عندهم، فلا يبقى في هذا الشهود فرق بين موسى، وفرعون، ولا بين محمد، وأبى جهل، ولا بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين عبادة الله وحده، وعبادة الأوثان، بل هذا كله عند الفاني في توحيد الربوبية سواء، ولا يفرق بين حادث وحادث إلا من جهة ما يهواه ويحبه، وهذا هو الذي اتخذ إلهه هواه، إنما يأله ويحب ما يهواه وهو وإن كان عنده محبة لله، فقد اتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله، وهم من يهواه، هذا ما دام فيه محبة لله، وقد ينسلخ منها حتي يصير إلى التعطيل، كفرعون وأمثاله الذي هو أسوء حالاً من مشركي العرب ونحوهم.
من مجموع الفتاوى
للشيخ الإسلام ابن تيمية
فوائد من تفسير سورة الحجرات
للشيخ الإسلام ابن تيمية
فوائد من تفسير سورة الحجرات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق