تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
--------------------------------------------------------------------------------
قراءة الآية
فتح صفحة القرآن
الانتقال الى صفحة القرآن
{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }
في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى تجوز رؤيته والمؤمنين يرونه يوم القيامة من وجوه: الأول: في تقرير هذا المطلوب أن نقول: هذه الآية تدل على أنه تعالى تجوز رؤيته.
وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة.
أما المقام الأول: فتقريره: أنه تعالى تمدح بقوله: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } وذلك مما يساعد الخصم عليه، وعليه بنوا استدلالهم في إثبات مذهبهم في نفي الرؤية.
وإذا ثبت هذا فنقول: لو لم يكن تعالى جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته. والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا يصح رؤية شيء منها، ولا مدح لشيء منها في كونها بحيث لا تصح رؤيتها، فثبت أن قوله: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } يفيد المدح، وثبت أن ذلك إنما يفيد المدح لو كان صحيح الرؤية، وهذا يدل على أن قوله تعالى: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } يفيد كونه تعالى جائز الرؤية، وتمام التحقيق فيه أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث يمتنع رؤيته، فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشيء. أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية، ثم إنه قدر على حجب الأبصار عن رؤيته وعن إدراكه كانت هذه القدرة الكاملة دالة على المدح والعظمة. فثبت أن هذه الآية دالة على أنه تعالى جائز الرؤية بحسب ذاته.
الوجه الثالث: في الاستدلال بالآية أن لفظ { ٱلأَبْصَـٰرِ } صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق فقوله: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } يفيد أنه لا يراه جميع الأبصار، فهذا يفيد سلب العموم ولا يفيد عموم السلب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق