السبت، 27 نوفمبر 2010

العلوم النقلية والعقلية

الامام الشوكاني في كتابه الماتع ( أدب الطلب ومنتهى الأرب ص 115-116 ) :

ثم لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم الشرعية أن يأخذ بطرف من فنون هي من أعظم ما يصقل الأفكار ويصفي القرائح ويزيد القلب سرورا والنفس انشراحا كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة والطب وبالجملة فالعلم بكل فن خير من الجهل به بكثير ولا سيما من رشح نفسه للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد وأنت بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه بما لديك من العلم غير محكوم عليك واختر لنفسك ما يحلو وليس يخشى على من كان غير ثابت القدم في علوم الكتاب والسنة فإنه ربما يتزلزل وتحول ثقته .

فإذا قدمت العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت واستكثر من الفنون ما أردت وتبحر في الدقائق ما استطعت وجاوب من خالفك وعذلك وشنع عليك بقول القائل أتانا أن سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل علوما لو دراها ما قلاها ولكن الرضى بالجهل سهل .

وإني لأعجب من رجل يدعي الإنصاف والمحبة للعلم ويجري على لسانه الطعن في علم من العلوم لا يدري به ولا يعرفه ولا يعرف موضوعه ولا غايته ولا فائدته ولا يتصوره بوجه من الوجوه .

وقد رأينا كثيرا ممن عاصرنا ورأيناه يشتغل بالعلم وينصف في مسائل الشرع ويقتدي به بالدليل فإنه سمع مسألة من فن من الفنون التي لا يعرفها كعلم المنطق والكلام والهيئة ونحو ذلك نفر منه طبعه ونفر عنه غيره وهو لا يدري ما تلك المسألة ولا يعقلها قط ولا يفهم شيئا منها فما أحق من كان هكذا بالسكوت والاعتراف بالقصور والوقوف حيث أوقفه الله والتمسك في الجواب إذا سئل عن ذلك بقوله لا أدري فإن كان ولا بد متكلما ومادحا أو قادحا فلا يكون متكلما بالجهل وعائبا لما لا يفهمه بل يقدم بين يدي ذلك الاشتغال بذلك الفن حتى يعرفه حق المعرفة ثم يقول بعد ذلك ما شاء .

ولقد وجدنا لكثير من العلوم التي ليست من علم الشرع نفعا عظيما وفائدة جليلة في دفع المبطلين والمتعصبين وأهل الرأي البحت ومن لا اشتغال له بالدليل فإنه إذا اشتغل من يشتغل منهم بفن من الفنون كالمشتغلين بعلم المنطق جعلوا كلامهم ومذكراتهم في قواعد فنهم ويعتقدون لعدم اشتغالهم بغيره أن من لا يجاريهم في مباحثه ليس من أهل العلم ولا هو معدود منهم وإن كان بالمحل العالي من علوم الشرع فحينئذ لا يبالون بمقاله ويوردون عليه ما لا يدري ما هو ويسخرون منه فيكون في ذلك من المهانة على علماء الشريعة ما لا يقادر قدره وأما إذا كان العالم المتشرع المتصدر للهداية إلى المسالك الشرعية والمناهج الإنصافية عالما بذلك فإنه يجري معهم في فنهم فيكبر في عيونهم ثم يعطف عليهم فيبن لهم بطلان ما يعتقدونه بمسلك من المسالك التي يعرفونها فإن ذلك لا يصعب على مثله ثم بعد ذلك يوضح لهم أدلة الشرع فيقبلون منه أحسن قبول ويقتدون به أتم قدوة وأما العالم الذي لا يعرف ما يقولون فغاية ما يجري بينه وبينهم خصام وسباب ومشاتمة هو يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية ولا يدري ما هي تلك العلوم وهم يرمونه بالبلادة وعدم الفهم والجهل بعلم العقل ولا يدرون ما لديه من علم الشرع .اهـ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق